معاناة المسلمين في العالم ..إلى متى؟
تعاني الأقليّات المُسلمة في العالم من اضطهادات منظَّمة حوَّلت حياة المسلمين في هذه البلدان إلى سجنٍ كبير، وزادت هذه الاضطهادات بعد إطلاق ما أسماه بوش"الحرب على الإرهاب"، وكأنها ضوءٌ أخضر لكلّ الحكومات أن تفعل ما يحلو لها من قمعٍ, وتشريدٍ بالمسلمين؛ بصفتهم خطراً لا يقبل التكيف مع المتطلبات الأمريكية لإعادة صياغة العالم. حتى صرنا إزاء مواقف حادة من نُظم كان معروفاً عنها الاستنارة, والتسامح فهذا الموقف الفرنسي من الحجاب, ومنع ارتدائه، وتلك المحنة التي يواجهها المسلمون في أمريكا ذاتها، حيثُ يواجهون يومياً حملات عنصرية في كافة مجالات الحياة، وفي ألمانيا حيث يواجه المسلمون تضييقاً عليهم، ويُنظر إليهم بحسبانهم خطراً ديموغرافياً.
وتايلند هنا تمثِّل حالة نموذجية في هذا السياق، فهي تسعي للقيام بدورٍ إقليمي في منطقة جنوب شرق آسيا على حساب إندونيسيا، مستغلّةً العنوان الأمريكي (الحرب على الإرهاب). فهي تعتبر الأقليّة المسلمة الكبيرة مقصودة بالحرب على الإرهاب، وأن كلّ شخصٍ فيها موضع شكٍّ بصفته- وفق المعايير الأميركية - مشروعاً لإرهابي. فقد بدأت في القبض العشوائي على كلِّ من يُبدي ميولاً إسلامية ظاهرة مثل إطلاق اللحى, أو لبس الملابس البيضاء, أو ارتداء النساء الحجاب، أو الانخراط فيما يُعدّ نموًّا عاديًّا لظاهرة التدين الإسلامي مثل بناء المساجد, أو الحج، أو القيام ببعض الأنشطة الاجتماعية, والثقافية المعروفة.
في حين لم تسمع لمطالب المسلمين في الإقليم بعدم التوسع في المشاريع السياحية التي تهدد تقاليد المنطقة التي تحترم الدين, والعادات، هذا فضلاً عن جَهدِها في التعاون مع المخابرات الأميركية بشأن القبض على مطلوبين إسلاميين يتجولون في المنطقة الواسعة، أو حتى اصطناع قضايا ذات طابعٍ إرهابي؛ لتقديم نفسها كرقمٍ إقليميٍ مهم, وحليفٍ لا يمكن الاستغناء عنه.
وفي نفس الوقت استجابةًً للضغوط الأمريكية التي ترى أن جنوب تايلند هو منطقةٌ تعمل فيها الجماعات الإسلامية، التي تُصنِّفها أميركا كجماعاتٍ إرهابية. ونتيجةً لتعرُّض المسلمين للاضطهاد, والتمييز, والحرمان من حقوقهم السياسية, والاجتماعية, والثقافية، فإن حركات المقاومة أُجبرت على الظهور في الإقليم الجنوبي؛ للوقوف ضدّ عنف الدولة, وبطشها لطمس الهُويّة الثقافيّة, والاجتماعيّة للمسلمين لصالح الدولة البوذيّة القوميّة، هذا العنف الرسمي المدعوم بالمطالب الأميركية من ناحية, والذي يخدُم الإستراتيجية الجديدة لتايلند كفاعلٍ إقليميٍ من ناحيةٍ أخرى قاد إلى إحياء "الجبهة المتّحدة لتحرير فطاني"، كما قاد إلى مزيدٍ من تصاعد موجات التمسك بالهُوية الإسلامية في المنطقة كآليّة دفاعٍ وردٍ على محاولات المملكة السياميّة، التي تهدد الوجود الإسلامي في جنوب تايلند.
وبدأ ما يمكن أن نطلق عليه "ميلاد دورات العنف"، حيثُ يسعى المسلمون للقيام بمظاهرات، للمطالبة بمطالب عامّة لدفع سياسة الدولة الجديدة, أو إيقافها خاصّة مع مجيء رئيس الوزراء تاكسين شيناواترا للحكم عام 2001، والذي غذَّى موجات أصولية ذات طابعٍ بوذيّ بين قطاعات واسعة من الشعب التايلندي ضدّ المسلمين في الجنوب. ويتضح هذا في مشاهد العنف المريعة التي يرتكبها الجيش, والشرطة بحقّ المسلمين، فالتقديرات تشير إلى أن ضحايا العنف الرسمي من جانب الدولة بلغ (400) قتيل. كما شهدت ولاية فطاني في شهر أبريل الماضي مذبحة داخل أحد المساجد راح ضحيتها (32) شخصاً، بالإضافة إلى ذلك يقوم الجيش التايلندي باختطاف المسلمين في الجنوب؛ بهدف نشر الخوف بين أفراد الأقلية المسلمة. فقد اتهمت منظمة العفو الدولية الجيش التايلاندي بانتهاج سياسة "الاختفاء القسري" بحقّ المسلمين في الولايات الجنوبية؛ بهدف إضعاف الجماعات المسلحة، ونشر الخوف بين أفراد الأقليّة المسلمة.
الاختفاء القسري للمسلمين
وطالبت المنظمة الدولية الحكومة التايلاندية الحالية بالعمل على نبذ هذه السياسة, ومكافحتها، والقضاء عليها. وقال براد إدامزر ـ مدير منظمة العفو الدولية في آسيا ـ : "إن عمليات الاختفاء القسري تظهر كسياسة تُنتهج من قِبل السلطات، وليس مجرد تجاوزات من عناصر قوات الأمن".
وحمَّل تقرير للمنظمة قوات الأمن التايلاندية مسؤولية اختفاء نحو (22) شخصاً، وأكدت المنظمة أن عدد حالات الاختفاء أكبر بكثير مما ورد بالتقرير، مشيرةً إلى أن العديد من الأسر تخشى بشدّة من أن تفصح عن حالات الاختفاء الأخرى. وتقول المنظمة: إن العديد من الأشخاص المسؤولين الذين يقفون وراء عمليات تعذيب، واختفاء مازالوا يحتفظون بمناصبهم.
وذكرت مجموعة الأزمات الدولية - التي مقرُّها بروكسل - في تقريرٍ لها أن تقارير ذات مصداقية بشأن عمليات تعذيب, وقتل غير قضائية، وقعت بحقّ مسلمين في الولايات الجنوبيّة.
وفي حادثٍ آخر قُتل داخل الحافلات المغلقة أكثر من (80) مسلماً بسبب القبض عليهم في مظاهرة ؛ احتجاجاً على اعتقال مسؤولين محليين بدعوى دعم الجماعات المسلحة في المنطقة.
وقُتل في نفس المظاهرة سبعة مسلمين برصاص الجيش، الذي أطلق الرصاص المباشر على الأجساد, وليس فوق الرؤوس، وكان ذلك في شهر رمضان. وتحدَّث رئيس الوزراء عن الواقعة فقال: إن المسلمين قُتلوا بهذا الشكل؛ بسبب ضعفهم البالغ؛ لأنهم كانوا صائمين، واعتبر ما قامت به قوات الجيش والشرطة عملاً رائعاً.
هذا العنف الذي وُصف من جانب المنظمات الحقوقيّة العالميّة, وفي تايلند ذاتها بأنه مستوًى مريع من استخدام القوة "غير المبررة" على المسلمين، سوف يولِّد موجات عنف مضادة، ستعزِّز المطالب الانفصالية في الإقليم، خاصّة وأن أقاليم مجاورة مثل ميندناو في الفلبين، تطالب بالانفصال.
وعلى الرغم من استقلال إقليم "تيمور الشرقية" الكاثوليكي عن إندونيسيا المسلمة بدعمٍ غربي أوروبي وأميركي، فإن المطالبة بالمثل فى جنوب تايلاند يُقابل بانتهاكات أقل مايقال فى حقها أنها جرائم حرب، مع أن هذا المطلب له مايؤيده في الواقع التاريخي والجغرافي، خاصة وأن فطاني والأقاليم المسلمة في الجنوب هي تعبير عن وحدة سياسية لها طابع مستقل بشكل كامل عن تايلند. إلاّ أن سياسة الكيل بمكيالين تجد لها موضعاً كلما كان للمسلمين مطلب، وهو أمر فيه تمييز واضح.
بناءً على هذا صرّح محللون سياسيون أن هذا الوضع المؤسف يقود إلى انفجار ما يمكن أن نطلق عليه "صدامًا حضاريًّا" حقيقياً بين المحيط الملاوي المسلم كله, وبين المحيط البوذي الذي ينتشر في دولٍ عديدة.
تحديات تواجه المسلمين
ويبرز العديد من التحديات ضدّ المسلمين في فطاني خاصّة، حيثُ تحاول السلطات البوذية التايلاندية إضعاف شوكة المسلمين, وإذابتهم في الكيان التايلاندي، ومن هذه التحديّات:
* تغير أسماء المسلمين, وتغير أسماء القرى, والولايات، وإلغاء حجاب المرأة.
* تهجير السلطات للتايلانديين البوذيين إلى فطاني؛ للحد من الأغلبية المسلمة.
* إضعاف اقتصاديات المناطق المسلمة، وذلك بتمليك أخصب الأراضي للبوذيين.
* محاربة التعليم الإسلامي، ومحاولة فرض اللغة التايلاندية في دواوين الحكومة.
* تشجيع التنصير, والبعثات التنصيرية للعمل في البلاد.
* الدس الرخيص في تزييف الكتب الإسلامية، التي تطبعها الحكومة.
وتايلاند ذات الأغلبية البوذية يشكل المسلمون فيها 5% من إجمالي السكان الذي يبلغ (64.6) مليون نسمة، ويتركز المسلمون في (3) ولايات في أقصى جنوب تايلاند، يمثلون الأغلبية فيها وهي: فطاني، وسكانها من العنصر الملاوي, ويعيشون مجتمعاً تعاونياً في شتى شؤونهم، في أعيادهم, ومآتمهم, وأعمال حصادهم، وإذا عزم أحدهم على بناء مسكن مثلاً اشترك في العمل جميع جيرانه، بل سكان الحيّ أو القرية. وتبلغ نسبة المسلمين في فطاني أكثر من 80% ويبلغ عددهم 3.5 مليون نسمة، بالإضافة إلى يالا، وناراثيوات.
وكانت لتلك الولايات سلطة مستقلة إلى أن ضمتها بانكوك منذُ قرنٍ إليها، ومنذ ذلك الوقت يعاني المسلمون في تلك الولايات من الاضطهاد, والتفرقة في مختلف مجالات الحياة، بما في ذلك الوظائف، والتعليم وغيرها.
ويمكن أن يكون لماليزيا تأثير فعّال في معالجة الاضطراب الراهن في جنوب تايلاند، في ضوء القواسم المشتركة التي تربط بينها, وبين الأغلبية المسلمة في هذه المنطقة، وفي مقدمتها الدين، الثقافة،التقاليد،اللغة ، والروابط الوثيقة للأسر على جانبي الحدود، وإن كان ذلك يتوقف أيضاً على تحقيق أماني أهل الجنوب في إنهاء التمييز, والقمع, والإهمال الذي تعرضوا له لفترة طويلة, واعترفت به الحكومة الحالية.
ولعل آخر – وربما ليس الأخير- حلقات العنف ضدّ مسلمي تايلاند كان مأساة جديدة نقلتها صحيفتى (الواشنطن تايمز), و(الأسوشيتد برس) حيثُ فوجئ مائة من مسلمي الجنوب بتايلاند أثناء تأديتهم لصلاة الفجر بقنبلة تنفجرفى المسجد، وقد وُصِف الهجوم من المتحدث الرسمي للجيش بأنه هجومٌ موجَّه من قِبل ما لا يقلّ عن (10)أشخاص بوذيين فروا بعد ارتكاب جريمتهم فى سيارة كانت تنتظرهم..
فهل يتحرك العالم الإسلامي لإنقاذ مسلمي تايلند؟
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]